إقامة الصلاة هي إقامة الإنسان

إقامة الصلاة هي إقامة الإنسان


  الغرض من إقامة الصلاة هو إقامة إنسان، ذلك التأثير البسيط اليومي المتكرر الذي تضيفه الصلاة إلى شخصية المصل يؤدي إلى إقامة إنسان جديد مع الوقت .

  الصلاة بهذا المعنى، هي دورة تدريبية للنفس تستغرق عمرك بأكمله ، تلتزم بحضورها خمس مرات كل يوم ، إن أردت أن تستقيم حياتك فاستقم في حضورها و اخشع في أدائها ...


  كنت أتحدث مع أحد أبطال العالم في رياضة كمال الأجسام و سألته عن التمارين التي يمارسها حتى تغير شكل جسمه إلى هذه الدرجة حيث كان منكبه عريض و خصره نحيف، فأخبرني عن بعض التمارين التي كنت أعرف معظمها تقريبا و لكنه أضاف معلومة مهمة في آخر الحديث...

  أخبرني بأن هناك عامل يغفل عنه الكثير ممن يسعون إلى تغيير شكل أجسامهم ، ذلك هو الوقت ، نعم أخبرني بأن هذا الجسم المثالي استغرق سنوات من التدريب اليومي حتى يصل إلى هذه الصورةِ ..

  كما أن تغير الجسد يحتاج إلى الصبر و التدريب اليومي لسنوات، فإن تغيير شخصية الإنسان و سلوكه و إقامة إنسان مختلف يحتاج أيضا إلى الصبر و التدريب اليومي، لذلك جاءت الصلاة و جاء معها "واصطبر عليها".

          يحضرني هنا مشهدان للفاروق عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ أولهما قبل إسلامه و الآخر بعده...

المشهد الأول :

  يصور لنا تلك الشخصية الصلبة ذو الطابع الغليظ، داخل تلك الشخصية رفض عمر حتى النقاش مع أخته التي أعلنت إسلامها و انهال عليها ضربا حتى سال الدم من وجهها .. في ذلك الوقت لم يكن عمر أميرا حتى لم يكن له حق التدخل بهذه الصورة في إختيارات أخته التي كانت لها حياتها الخاصة ، مع العلم أن هذا المشهد كان في بيت أخته على مرأى و مسمع من شخصين أو ثلاثة.

المشهد الثاني:

  في المشهد الآخر يقف أمير المؤمنين عمر رئيس أقوى دولة في ذلك الزمن على منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخاطبا المسلمين في مسألة تتعلق بمهور النساء فتقاطعه إمرأة على مرأى و مسمع من حضور المسلمين و تعدل عليه رأيه ... فيصمت الفاروق ـ رضي الله عنه ـ بالرغم من أن مقاطعة الخطيب ليست من الأدب و لا تجوز و كان يحق لعمر أن يسكت هذه المرأة إن أراد، و لكنه قال أمام حضور المسلمين "أصابت إمرأة و أخطأ عمر .. كل الناس أفقه منك يا عمر".

  بين المشهدين نرى ثمرة "و اصطبر عليها" واضحة جلية ، فلولا ذلك التأثير الذي تضيفه الصلاة يوما بعد يوم في نفس و سلوك كل مصل لما اختلف "عمر قبل" عن "عمر بعد" .. فاصطبر عليها ..

  ينبغي لنا أن نأخذ الفاروق عمر ابن الخطاب نموذجا لما يجب أن تفعله الصلاة بنا ، فقد استطاع الفاروق أن يجعل من الصلاة وسيلة لتغيير العالم ، لقد وعاها و فهمها كما يجب أن تكون ، لذلك فقد كانت إقامته للصلاة مختلفة تماما عن تصوراتنا للصلاة ، فقد إنتقل بصلاته ليربطها بالواقع ليكابقها مع الهدف الذي عزم على تحقيقه و هو تغيير الواقع.


    و من هذا التطابق ، جملة عمر الفاروق ، نقلت لنا عنه عن داخل صلاته ، قال "إني لأجهز الجيوش في صلاتي"..

  كانت صلاته تمده بتلك الطاقة حتى تجعله يرتقي ، يرتقي بنفسه أولا و من تم يرتقي بالواقع فيغيره ، فقد كان يعرف و هو يقيم الصلاة أن مهمته تحويل القيم من صلاته إلى واقع يعيشه العالم.

إرسال تعليق

0 تعليقات